
فإن مات السـنوار، فهناك ألف سنوار في مقاعد الانتظار. وما مات هذا القائد الرائد العبقري الشهيد الذي لا يزال حيًّا يُرزق، لكنه فقط في عالم غير عالمنا هذا، فرحًا بما أتاه الله من فضله.. تاركًا وراءه دربًا كما تركه الذين من قبله. فهو ليس أول من لَبِسَ لِبْسَ القائد ذو العقل المدبر، ولن يكون الأخير. فقد رحل فقط صاحب الزي أو البذلة، أما البذلة نفسها فهي لا تزال حية لا تموت، وستختار صاحبًا آخر مستعدًا، مؤهلًا، ومسؤولًا. أكتافه على قياس البذلة، والبذلة أدرى بما هو على قياسها وما هو مناسب لها. فليس للبذلة مالك، لكن لديها أصحاب أوفياء لا يفهمون معنى الخيانة، فللبذلة سحر خاص على أصحابها.
فما موت يحيى السـنوار إلا زيادة في عزيمة القوم وقوتهم وإصرارهم وشراستهم ضد عدونا، وأملاً في النصر والتحرر للشعب الفلسـطيني ولأمتنا العربية ولأقصانا. ألم يقل سبحانه وتعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل”، فوحدوا قوتكم إذن، واربطوا خيولكم كخيل واحد ترهبون به عدوَّ الله وعدوّكم وآخرين لا تعلمونهم ولكن الله يعلمهم.
فلا تقف أمام القوة إلا القوة. فلا يُسمع صدى صوتٍ إلا صوت القوي الذي يفرض صوته أن يُسمع، حتى ولو بلا آذان فهو يُسمع. فمتى كان للضعيف صوتٌ ورأي ليكن الآن؟ وهو ذا رجل واحد يثبت أنهم ليسوا بتلك القوة التي يدعون ويفتخرون ويتفاخرون بها، والتي نفخوا عقولنا بها لسنين وعقود. ويثبت أيضًا أننا لسنا بذاك الضعف الذي ألبسنا أنفسنا إياه، فاعتدنا عليه كأننا خُلقنا به، فنسينا أنها مجرد سترة يمكننا خلعها.
كنا نحسبه طريدةً مطاردًا في كل مكان وزمان، أعجز مطارديه عن العثور عليه، فأصبح حلمهم بل كابوسهم في منامهم ويقظتهم. فتفاجأنا به صيادًا في وسط الميادين يصطاد مطارديه بدل أن يصطاده. فأي قائد هذا الذي يعطي أوامر بالخروج في مهمة ويخرج هو بنفسه فيها؟ الجميع كان يتساءل: أين يختبئ هذا الرجل؟ في حين أنه لم يكن مختبئًا في المخابئ، ولهذا كان من المستحيل إيجاده. بل كان ملثمًا حاملًا بندقيته كباقي الملثمين، أيهم السنوار؟ لا أحد يعلم.
فمات عزيزًا كريمًا شريفًا، شهيدًا، حقق له الله سبحانه وتعالى حلمه بالموت شهيدًا في سبيل الله حاملًا بندقيته، فنال شرفًا ليس بعده شرف. عبدًا من عباد الله أولي بأس شديد، كما وصفهم سبحانه وتعالى:
{وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5)} الإسراء
صدق الله العطيم
فاللهم عزاءٌ لتلك البقعة المباركة ومن يمشي عليها وهو مطمئن بالإيمان، واللهم عزاءٌ لأمتنا العربية في هذا الرجل العظيم، وعزاءٌ لكل من وقف ضد الظلم والعدوان.
وأقول ليـحيى السنـوار شخصياً أنه كان لي الشرف أن أكتب عنك..